"السلطان الحائر" هو اسم المسرحية التي كتبها توفيق الحكيم قبل حوالي خمسين عاماً (تحديداً عام 1960)، وصدرت في نفس التوقيت بالفرنسية تحت عنوان "الاختيار".
وتحكي المسرحية قصة أحد سلاطين العصر المملوكي الذي ملأ الأرض عدلاً ورفاهية وازدهاراً حتى أصبح زعيماً حقيقياً يتغنى الشعب باسمه ويفدونه بأرواحهم، وقد بنى السلطان مجده هذا عبر سنوات طويلة من العرق والكفاح، والاتصال المستمر مع شعبه بتواضع وحب ومسئولية، فقهر المغول، وخفض الضرائب وبنى الجسور والمدارس، ووفر سبل الحياة الرغيدة للجميع.
وفي أوج مجده وانتصاراته ونهضته العظيمة خرج بين الناس رجل يطعن في شرعية تولي السلطان الحكم، وقال: إن السلطان الحالي كان عبداً رقيقاً لدى السلطان المنوفي، وأن السلطان الراحل لم يمهله القدر ليعتق عبده المملوك.. وبالتالي فهو عبد مملوك ليس له الحق في الحكم.
وسرت الحكاية بين الناس وتداولوها في منتدياتهم وجلساتهم حتى بلغت السلطان فجمع مستشاريه ليبحث معهم أفضل السبل لعلاج المسألة، وظهر اتجاهان للحل:
اتجاه الأغلبية ومثله وزير الداخلية الذي اقترح قطع رقبة صاحب الإشاعة فوراً، وقال ن الناس ستتفهم الموقف، وأن حبها للسلطان ورغبتها في بقائه في السلطنة ستغفر للسلطان هذا التجاوز، خاصة أن الشخص مروج الإشاعة معروف باتجاهاته العقدية المتطرفة، وهو الآن ليس له أنصار، كما أنه مطرود من أهله وعشيرته (ليس له دية).. وحادثة واحدة مثل هذه ستمر سريعاً ولن يتوقف عندها الناس، في مقابل أن يحتفظ الناس بسلطانهم المحبوب.
استمع القاضي إلى الوزير ثم اتجه بأنظاره إلى قاضي القضاة وكأنه يبحث عن مخرج قانوني. بعد تفكير عميق: قال القاضي ن بحث المسألة من كل أوجهها ولم يجد سوى مخرج وحيد... هو أن يتم بيع السلطان باعتباره عبداً مملوكاً من تركة السلطان في مزاد علني... وواصل قبل أن يرتفع صوت اللغط: على أن نشترط على المشتري أن يعتق السلطان فور شرائه، وبمجرد عتقه يتم تنصيبه سلطاناً مرة أخرى.
جرى نقاش حاد بين القاضي والحضور، وقدم القاضي مبررات قوية لاقتراحه: فالموضوع لن يستغرق سوى عدة ساعات، ولكنه سيضمن شرعية السلطان... وسيرسي قاعدة هامة للشعب... بأن السلطان حريص على تطبيق العدل وإقامة القانون... كما أن الثمن الذي يطرحه القاضي للشرعية هو ثمن بخس أمام ملك حقيقي محمي بالقانون وبحب الشعب، لا يعتمد على السيف الذي يمكن أن يفرض السلطان لفترة ثم يزيحه عنه من هو أمضى سيفاً... وأكثر جنوداً. وقال: إن الدم إذا سال مرة... فسيسيل بعد ذلك عشرات المرات، ولن يستطيع أحد أن يوقفه، ولا أريد أن يعرف السلطان بين الناس بأنه رجل السيف والدماء.
استسلم السلطان للحظة تفكير عميق... قبل أن يعلن قراره:
ترى لمن انتصر السلطان:
- لسطوة السيف؟ أم لسلطة القانون؟
اختار السلطان حل قاضي القضاة، ورضي أن يباع في مزاد علني ...
ومن أمتع مشاهد المسرحية منظر المشترين وهم يعاينون "البضاعة"، فالخمار رغب في شرائه لأن وجود السلطان في الخمارة سيجذب الزبائن، والإسكافي رغب كذلك في شرائه، ولكنه وقع أخيراً من نصيب امرأة غانية سيئة السمعة، دفعت فيه كل ما تملك.
بقية المسرحية كما كتبها توفيق الحكيم تحكي أنه بعد إتمام الصفقة رفضت الغانية تنفيذ شرط عتق السلطان، وقالت: إنه شرط باطل. وجن جنون الجميع، وأصرت الغانية على رأيها، ونظر الجميع إلى قاضي القضاة الذي حاول جهده مع الغانية، ثم استسلم فقد كان يعلم أنها على حق... و طلبت الغانية من القاضي ووزير الداخلية أن يساعداها على نقل السلطان إلى بيتها.. وبالفعل انتقل السلطان إلى بيت سيدته.
نجح السلطان في إقناع الغانية في أن تعتقه في الصباح مع أذان الفجر، و حاول القاضي مجاملة السلطان، فطلب من المؤذن أن يؤذن لصلاة الفجر مع منتصف الليل، ولكن السلطان رفض.. ولم تكن الغانية تريد من شراء السلطان إلا تثبت للناس أنها جديرة بالاحترام، وأنها في وقت من الوقت كانت تملك السلطان نفسه.
في الصباح مضى كل شيء على ما يرام، وعاد السلطان لقصره، وطويت هذه الصفحة من تاريخ المملكة إلى الأبد ... وخلص منها السلطان بدرس عمره وهو: "أن الاحتكام إلى القانون وتحمل تبعاته، أصعب ألف مرة من استخدام السيف وعواقبه".
by:AMR ABDEL AL