وفاة الشاعر الكبير محمود درويش
قال: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، ثم مضى وقبل أن يمضى قال: «وأنت تعد فطورك فكر بغيرك.. لا تنس قوت الحمام. وأنت تخوض حروبك فكر بغيرك.. لا تنس من يطلبون السلام.. وأنت تسدد فاتورة الماء فكر بغيرك.. لا تنس من يرضعون الغمام.. وأنت تعود إلى البيت فكر بغيرك..لا تنس شعب الخيام.. وأنت تنام وتحصى الكواكب فكر بغيرك.. ثمة من لم يجد حيزا للمنام وأنت تحرر نفسك بالاستعارات فكر بغيرك.. من فقدوا حقهم فى الكلام. وأنت تفكر بالآخرين البعيدين فكر بنفسك.. قل ليتنى شمعة فى ظلام».
لكنه طوال حياته ظل يحن للوطن ولخبز أمه التى كانت تكتب الشعر أيضا ولأن الحياة تموت بموت البشر فقد ترك حصان الشعر وحيدا فى وطن الشعراء وكان السؤال: «لماذا تركت الحصان وحيدا؟؟» فكان الجواب: «لكى يؤنس البيت يا ولدى فالبيوت تموت إذا غاب سكانها» هذا هو محمود درويش الذى يمر اليوم عام على رحيله، ودرويش مولود فى قرية البروة فى الجليل بفلسطين المحتلة فى ١٣ مارس عام ١٩٤١، خرجت أسرته الفلسطينية فى عام ١٩٤٧ إلى لبنان، ثم عادت متسللة عام ١٩٤٩ بعيد توقيع اتفاقيات السلام المؤقتة لتجد القرية قد هدمت وأقيم فى موضعها قرية زراعية إسرائيلية، فعاش مع عائلته فى قرية الجديدة.
اعتقلته السلطات الإسرائيلية مرارا بدءا من العام ١٩٦١ بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسى وذلك حتى عام ١٩٧٢، ثم سافر للاتحاد السوفييتى السابق للدراسة وانتقل بعدها لاجئا إلى القاهرة حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ثم لبنان حيث عمل فى مؤسسات النشر والدراسات التابعة للمنظمة وكان استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو، وبعدما استقال قال: «أنت منذ الآن أنت». أسس درويش مجلة الكرمل. كانت إقامته فى باريس قبل عودته إلى وطنه حيث إنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه.
وفى فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلى العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء وقد سمح له بذلك. ساهم فى إطلاقه واكتشافه الشاعر والفيلسوف اللبنانى روبير غانم وأيضا عمده وقدمه للعالم العربى رجاء النقاش. حاز درويش العديد من الجوائز والتقديرات، كان آخرها جائزة مؤتمر الشعر فى القاهرة وكانت آخر مجموعاته الشعرية «لا أريد لهذى القصيدة أن تنتهى» الصادرة بعد وفاته. وقد توفى فى أمريكا يوم السبت فى مثل هذا اليوم ٩ أغسطس ٢٠٠٨ بعد إجرائه لعملية قلب مفتوح فى هيوستن، وقد وورى الثرى فى رام الله.