المفروض إن الواحد يكون فرحان في العيد ومن المفروض أيضاً ألا يعكر صفوه إلا انخفاض قيمة العملة المصرية التي جعلت «العيدية» تقفز من «عشرة قروش» إلي مائة جنيه «علي الأقل للابن الواحد... بل لعلي لا أكون مبالغاً إذا ما قلت إن الشباب من مواليد 1980 لم يشاهدوا «القرش» أصلاً ولا يعرفونه وأقصد طبعاًُ - القرش صاغ - وعلي المصريين أن يتحملوا أعباء شهر رمضان ثم العيد ثم أعباء العيدية ثم أعباء دخول المدارس... لكن العكننة يا سادة ليست في كل هذا... إنما العكننة في أن قضاء العيد في سجن طرة هو من أصعب الأمور علي النفس البشرية... والحكومة المصرية تحرص وتصر علي أن تعتقل عدداً مناسباً من أصحاب الفكر والرأي قبل كل عيد من الأعياد...
ولا يهم أن تعتقلهم تحت اسم الحبس الاحتياطي أو تحت اسم قرار الاعتقال أو حتي تحت اسم تجديد الاعتقال، المهم هو أن تعتقل الحكومة أي عدد مناسب من المصريين وخلاص وتجديد الاعتقال لمن لا يعرفه هو ذلك الإجراء الحكومي الذي يتم إذا ما أفرج القضاء عن المعتقلين وقام القاضي بإلغاء قرار الاعتقال... وهنا تقوم الداخلية بالاعتقال من جديد وإلغاء قرار القضاء وما فيش حد أحسن من حد، وهذا هو ما يسمي تجديد الاعتقال والذي يصل أحياناً إلي عشرين عاماً من الاعتقال المتواصل دون رقيب أو حسيب، صحيح أن المعتقل من دول يتكيف مع العيد ويعيش فرحة حقيقية هو وأولاده وتجدهم في صباح العيد وهم يوزعون الحلوي علي صغارهم في قاعة زيارة المساجين التي تعدها إدارة السجن خصيصاً من باب الإنسانية... التي تفقع المرارة... لكننا في النهاية نكون نحن أهل الهم والحزن والقرف فمن غير المعقول أن يقبل إنسان له قلب أن يري أهل وطنه وأصحابه وهم في السجن لا ليء إلا لأنهم فكروا أو اعترضوا أو حتي أرادوا أن يمارسوا حقهم في التعبير أو حتي التغيير.... والغريب يا ساده أن أسهل قرار علي الحكومات المصرية المتعاقبة هو قرار السجن... ويبدو أنها عادة موروثة من أيام الفراعنة... والهكسوس... وحسن الهلالي أمير الانتقام... وأعتقد أن صلاح الدين الأيوبي لو ظهر في أيامنا المعاصرة لوضعته الحكومة في السجن هو «وعيسي العوام» ومن معهما واللي يتشدد لهم كمان ذلك بزعم أنهم كونوا تنظيماً محظوراً... ودون إذن من لجنة الأحزاب فضلاً عن أنهم يعادون إسرائيل ويحدثون الوقيعة بين القاهرة «وأورشليم» أما والي عكا فإنه لو ظهر في هذه الأيام فلن يكون خائناً بل ربما يكون وزيراً للثقافة أو الزراعة أو سفيرنا في أمريكا أو إسرائيل.
فالسجون يا سادة هي علامة علي قلق الحكومات وخوفها من الشعوب من أجل ذلك فالحكومات تتجرد من الشياكة والتأنق واحترام حقوق الإنسان وكل هذه الشعارات الزائفة عندما تشعر بالخطر... حتي لو كان هذا الخطر قد أتي من فرد يكتب علي«الانترنت» أو من عقل بدأ يحظي باحترام الجماهير... وعندما تفقد الحكومه شعورها بالأمان فهي تفتح السجون بلا حساب وتكرر الاعتقال دون احترام لأحكام القضاء...
وأنا أعرف أن معتقلين مصريين دخلوا السجون وأولادهم في سن الطفولة... إلا أنهم يزورونهم الآن في نفس السجن وعلي أيديهم الأحفاد «وبوس إيد جدو يا حبيبي وقوله كل سنة وأنت طيب يا جدو» وهكذا أصبح المعتقل جداً عجوزاً داخل أسوار المعتقلات وسلم لي علي الديمقراطية.
ومن هنا فإن العيد في مصر لا يمكن أن يكون فرحة طالما أن أصحاب الأخلاق والمبادئ يدخلون السجون بينما تجد اللصوص ينعمون بالحرية.
وبهذه المناسبة فيروي أنه تقرر في عام 1964 القبض علي كل من ينتمي إلي الإخوان المسلمين... وتمت مطاردة أحد اللصوص علي سبيل الخطأ لوجود الشبه بينه وبين أحد المطلوبين من الإخوان المسلمين فرفع اللص يده وهو يصيح....
«أنا برييء يا بيه... والله العظيم أنا حرامي»
وعجبي!!