amr مشرف
عدد المساهمات : 969 نقاط : 59276 تاريخ التسجيل : 10/12/2008 العمر : 35 العمل/الترفيه : ضابط حربية المزاج : هو فيه أحسن من كده!! بلدك : الابراج :
| موضوع: ثلاثة فناجين من القهوة الأحد أكتوبر 03, 2010 5:39 pm | |
| علاقتي بالقهوة بدأت بعد الجامعة بعدة سنوات ، كنت أقترب من الثلاثين ، ولم أكن مدمنا على أي شيء بعد ، اللهم إلا الشعر !إصابتي بالتهاب جيوب أنفية مزمن ، وذلك ناتج عن عيب خلقي لا دخل لي فيه ، سببت لي صداعاً مزمناً يخترق رأسي حتى يكاد يفتتها من الألم ، ولأنني لا أحب الأدوية بدأت أتعاطى القهوة (التركية) بالذات ، وقد كان لها مفعولاً قوياً في مواجهة الصداع ، لذلك صبرت على طعم القهوة المر وكأنني أتعاطي دواءً ، ومع مرور الوقت ... عشقت القهوة !شربت آلاف الفناجين ، وأصبحت خبيراً في أنواع البن ، وفي أنواع القهوة في دول العالم ، ودائماً حين أسافر لأي مكان أحرص على شرب القهوة (المحلية) في أي بلد أزوره ، ودائما قهوتي المفضلة ... التركية !وبرغم آلاف الفناجين ، هناك ثلاثة فناجين لا أنساها ما حييت !الفنجان الأول : كان في عام 1994 ، دعاني له أستاذي الكريم أبو الطيب د. أحمد صدقي الدجاني رحمه الله . كانت القهوة متقنة الصنع ، صنعتها زوجته الفاضلة السيدة أم الطيب حفظها الله ، وقد دعاني لهذا الفنجان بعد أن التقيته صدفة في مطار القاهرة ، فسلمت عليه ، وأبديت إعجابي ببعض آرائه ، فدعاني فورا لمواصلة الحوار في أي وقت لاحق في منزله ، وقد كان .هذا الفنجان ظللت أشربه بشكل مستمر حتى رحل عن عالمنا في آخر عام 2003 لقد تضاعفت ثقافتي عدة مرات خلال هذا الفنجان الذي استمتعت به عقداً كاملاً من عمري !تغيرت نظرتي للتاريخ والحاضر والمستقبل والإنسان والشعر والدين واللغة ، ولم أكن أتخيل أن يكون أعز أصدقائي يكبرني بما يزيد عن ثلاثين سنة ، ولم أكن أتخيل أن هذا الفنجان من القهوة التركية المعد بالطريقة الفلسطينية سيبقى طعمه في حلقي إلى الأبد ، ولم أكن أتخيل أن طعم القهوة يمكن أن يظهر في الكتابة !الفنجان الثاني : كنت مجبراً على شربه ، ولم يكن مقصوداً لذاته . كان ذلك في عام 2004 م ، إذ طلبني مسؤول كبير في أحد أجهزة المخابرات عن طريق أحد الأصدقاء من السياسيين الكبار ، وحين سألت : "ماذا يريد مني هذا المسؤول ؟" كانت الإجابة الجاهزة : " أبدا ... إنه يريدك على فنجان قهوة ، لا أكثر !"إذا لم أذهب ، سأصنف على أنني أنتمي لتيار لا أحب أن أصنف ضمن المنتمين إليه ، لذلك ذهبت ، وشربت فنجانين ، وكان بناً فاخراً جداً ، وامتد اللقاء لثلاث ساعات تقريباً .موضوعات الحوار – أثناء شرب الفنجانين – كانت متعددة ، فبدأت من فريق كرة القدم الذي أشجعه ، وصولا إلى ... قصائدي السياسية وديواني الأخير (حينئذ) ، "في صحة الوطن" !كان لقاء يهدف إلى "التعارف" ، وكان لا بد منه ، لكي يتم "تضبيط" ملفي !كنت صريحاً ، وكان صدره رحباً لأنه مضطر لذلك !أما القهوة ... فلا أستطيع سوى أن أصفها بأنها شكل لا روح فيه ، وهكذا دائماً يكون فنجان القهوة الذي يستدعيك إليه ضابط ما !عند انصرافي .... قال لي " هل سنراك مرة أخرى ؟ "
قلت له : " لا ... "
قال : " ألم تعجبك قهوتنا ؟ "أجبته : " المشكلة في السكر !"
ضحك ضحكة صفراء ... وانصرفت .
وحين دعيت (أو استدعيت) لفناجين أخرى رفضت ، فالتعارف قد تم ، والقهوة بعد ذلك لا معنى لها .
من يريدني فليأت هو إلي أو فليعتقلني !
الفنجان الثالث : شربته في عزاء أستاذي د. أحمد صدقي الدجاني في مساء يوم 31/12/2003 م .
كان مراً ، " سادة " بلا سكر ، بارداً ... كنت مضطراً لشرب ما هو متاح من شدة الصداع . ألم فراق أستاذي ، وسهري من أجل إتمام قصيدتي في رثائه وعنوانها "لحظة ممتدة" منعاني من النوم ، وربما من الأكل ، مما تسبب في صداع يفلق الحجر كعين الحسود !
شربت فنجانين وربما أكثر ، ولم أشعر بمرارة القهوة نظراً لمرارة في حنايا الروح أشد من مرارة القهوة بكثير . بعد انتهاء العزاء ... تغير طعم القهوة في حلقي إلى الأبد ...
أو ...
تغير طعم الحياة كلها ...
لا أدري ...!
عبدالرحمن يوسف | |
|