امه الخراف السعيده وفجعان السادس عشر

تراودني هواجس وهلاوس بأننا دخلنا القرن الحادي و العشرين من بابه الخلفي ..أو قولوا إن شئتم أننا نقيم إقامة غير شرعية في هذا القرن ..! ولكن الأهم في الموضوع أنه قد بلغني أيها المواطنون السعداء أن ابن بطوطة أثناء ضربه لأكباد الإبل في ترحاله مستقصيا ، مرَّ على مضرب من مضارب بني دينار فرأى الناس ساجدين راكعين وتعلو رؤوسهم قطعة من قماش عظيمة كتب عليها بماء من ذهب عبارة تشيد بمن قرأ ومن كتب: أخي المواطن لا تفكــــرْ ! فنحن نفكر عنك ..
وبما أن كلمة مواطن تنسب الى وطن! فلن نستغرب من أن تنسب كلمة بليد إلى بلد أو أن تنسب كلمة تخريف إلى خروف..وبما أننا ذكرنا الخراف فإليكم هذه الدراما الخرافية والتي لا يمكن أن تكون من الواقع..

يحكى ذاتمرة و قبل خمسين عام تحديداً
أن جماعة من الخراف السمان وأزواجهم وذراريهمُ إجتمعوا ذات يوم ليبحثوا أمرا هاما.. شديد الخطورة.. فجلسوا وقد اكفهرَّت وجوههم و علت عليها علامات القلق والحيرة.. وهم يناقشون أمرا حيويا ، قد يعود بالخير والرخاء على أمة الخرفان السعيدة..! إن نجح طبعا!!

قال كبيرهم يا قوم إننا أصحاب ثروات.. وعندنا من الخيرات والطيبات ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة.. فَمِنَّا مَنْ منًّ الله عليه بالصوف الوفير و أنهار اللبن وأكوام اللحم.. ولدينا الأراضي الخصبة والمرعى العشيب .. فلمَ لا نستثمر هذه الثروات ونقوم بتنميتها على الوجه الذى يدر علينا ربحا ويضمن لأولادنا مستقبلهم المشرق؟؟..
نالت الفكرة استحسان الحاضرين.. و تعالت أصواتهم وهم يُمَأْمِئُونَ لها أيّما مأمأة..! وإختمرت الفكرة بين قرونهم.. ووضعوا خطة طموحة لكيفية إستغلال هذه الثروة الخرفانية الضخمة.. بقى لديهم شئ واحد لم يستقروا عليه بعد.. وهو من الذى سيدير هذه المشروعات العملاقة ومن الذى سيباشر هذه الثروات؟!.. من ذوى الحوافر المشقوقة عديمة الاصابع.. لا يعلمون الكثير عن البورصة وأسعار الأسهم وكيفية إستعمال الفيزا كارد..!! فلابد لهم من البحث عن شخص أو شخصة يجيد هذا الأمر بمهارة وخفة تحفظ لهم الثروة ويحصل لهم منها على أعلى ربح.. فنظروا يمينا وشمالا وفوقا وتحتا.. ونظر بعضهم فى وجه بعض فلم يروا إلا علامات الغباء والبلادة.. قال أوسطهم طريقة أنا آتيكم بالخبر اليقين" نريد لهذه المهمة كائنا قويا ماكرا يحظى بالإحترام والرهبة فى نفوس الكائنات الأخرى.. يملك أنيابا ليدافع بها عن أموالنا.. ويملك لسانا طويلا وجيشا كبيرا من أقرانه ليدافعوا عن ثرواتنا.. ولا أعلم أى أحد تجتمع فيه مثل هذه الصفات إلا صديقنا الذئب فجعان نظر الحاضرون بعضهم إلى بعض وقد مأمأ أحدهم بصوت عال مستنكرا وآخر مستحسنا.. فتابع أوسطهم قائلا لهم : "إن هذا الذئب بقوته ومهارته ومكره سيكون لديه القدرة على حمايتنا من قطعان الخرفان الأخرى ، والتى قد تسطو على صوفنا ولحومنا ولبننا وتدّعى أن هذه الثروة ملك لها فتسرقها ونحرم هذا الخير ، أما إذا جعلنا الذئب حارسا لها وقيما عليها فسيهابونه ويخافون أسنانه البراقة أن تنهش لحومهم إذا سولت لهم أنفسهم الإقتراب منه..!!"
" بدا القوم أكثر إقتناعا بالفكرة.. وصفق أغلب الحاضرين لكلام زعيم الخرفان.. (أوسطهم طريقة).. وتم الإتفاق.. وعُين الذئب رئيسا وحاكما مفوضا لقطيع الخرفان المخرفنة براتب مغر.. شاة مشوية يوميا بعد خصم الضرائب..! وقام الرئيس الحاكم الملهم المؤيد المفدى.. الذئب بن فجعان بتعيين جيش هائل من الذئاب الضارية القوية الفتية لحماية مجتمع الخرفان.. وكذلك أسس من أقرانه الذئاب الصايعة الضايعة ، جهازا حكوميا متكاملا يدير شئون الدولة الخرفانية من وزراء وجهاز فعال للمخابرات.. بمرتبات خرافية مجزية.. حوالى لتر لبن ماعز مفتخر يوميا وفخذ ضأن مشوى..!!

وبدأ العمل ومضت دولة الخرفان لتحقق حلمها الجميل..

بعد خمسين عاماً من تلك الحادثة..
ثلاثة من الخراف .. بادية عظامهم من الجوع ، سقطت قرونهم من المرض ، راقدين على الأرض يلفون
خط الفقر عمامة على رؤوسهم وفى الناحية الأخرى وقفت عربات الشرطة والأمن الذئباوي المركزي مدججة بأسلحة الدمار الشامل حول تجمهر لمجموعة من الخرفان البائسة الهزيلة ، و هم يقفون مستمعين لخطبة عصماء مدوية ، للقائد الأعلى والحاكم الأوحد مليك البلاد المفدى وحاكمها السرمدى الذئب فجعان السادس عشر أطال الله أنيابه.. وهو يصرخ فيهم بقوة قائلا: أيها الخرفان التى خرفت.. ثم أردف باللهجة المصرية قائلاً إنتوعايزين مني إيه .. فلوس مافيش.. وظائف برضو مافيش، مستقبل.. أهه كله بإيد ربنا ، أمن وأمان..غالي اليوم دول..وإلا عايزين أصرف عليكم من جيبي.. أهو ده اللى كان ناقص..!! ثم عاد إلى الفصحى مرة أخرى قائلا إياكم أن تنظروا إلى ملياراتى فى البنوك يا حلوين.. هذه ثروتى ورثتها عن آبائى وأجدادى كابرا عن كابر.. مُلكا خالصا لعائلة فجعان اللى كان جعان.. لا أجد ما أقوله لكم إلا أننا كلنا أمل فى الغد المشرق الذى ينتظرنا وينتظر أبناءنا جميعا.. غدا أيام الرخاء والرفاهية على الأبواب.. فعليكم بزيادة الإنتاج والعمل والكدح ليل نهار لنرى الحياة مزدهرة زاهية..
وكلنا فداء للوطن ولا للسخرية..