كثيرا ما كنا نتهم الكرسي بأنه كان وراء مصارع الرجال حيث تطمح الأنفس التواقة للحكم والسلطة والسيطرة إلى اعتلاء الكرسي أو التعلق بقطعة منه أملاً في اقتسام قطعة منه إن لم يكن وضع اليد عليه كله ................
كان الكرسي المتهم هو ذلك الكرسي الأصم الذي يتعاقب عليه الزعماء ؛ ولا يعنيه من اعتلاه فالأمر سيّان عنده ما دام يستدفئ بقعودهم عليه ............................
ولكن كرسي الشيخ أحمد ياسين كان له وحده لأنه كان يحمل ذلك الجسد المتثاقل بالأمراض المرتخي العضلات ؛ ولا يكاد يشعر ذلك الكرسي بحركة عليه إلا عندما يحملون الشيخ فيضعونه عليه أو يحملونه ليرفعوه عنه
ولكن كرسي الشيخ كان يؤنس نفسه بدوران عجلاته حيث يتحرك الشيخ إلى ميادين عطائه
لم يكن يدور بخلد هذا الكرسي الدوار المتواضع الحنون الذي رافق الشيخ طويلا في سجنه سنين طويلة ثم طار معه على المروحية التي نقلته إلى عمّان لحظة أُفرج عنه ثم طارت به إلى أرض الوطن وقد تحلّى بحُلية الحرية فعاش إلى كنف الشيخ يجول معه حيث جال وطار معه إلى مصر للعلاج ثم إلى السعودية وأدى الكرسي معه العمرة ثم طار إلى قطر وإيران والكويت والإمارات ثم السودان فمصر فالوطن من جديد ؛ كان الكرسي خلالها الحاضر الدائم في كل لقاءات الشيخ ونال شرف حمل جسد الشيخ القعيد في أكثر المواقف حساسية وفي أكثر الحوارات مسؤولية ؛ وكان الكرسي يستمد الدفء من جسد الشيخ و الحنان من جسده الطري ؛ وكانت أسعد لحظات الكرسي يوم يرفع مرافقوا الشيخ يده ليضعوها على يد الكرسي فيصافحه
بقي الكرسي مخلصاً لرفيقه يعيش معه لحظة بلحظة حتى جاءت لحظة المفارقة يوم أتمّ الكرسي مهمته وحمل الشيخَ إلى آخر صلاة له في عتمة الليل وأدّى الصلاة معه ثم خرج به فإذا بقاذف الموت يترصد للشيخ وينقذف في صدره وينتزع روحه ؛ فأبى ذلك الكرسي المفجوع أن يفارق حبيبه فالتف حول جسد رفيقه محاولاً حماية ما تبقى من جسده فتهشّم الكرسي الوفي وتناثر قطعاً ؛ ولكن عجلةً من عجلاته ظلت تدور في الهواء لحينٍ تودّع روح الشيخ وتدور في هواء هذه الروح المطمئنة المرتقية إلى علياء الله تحوطها الملائكة بأجنحتها ؛ فنال الكرسي ما ناله صاحبه وأبى أن يجلس عليه أحد غيره فكأنه يستعيد ذكرى أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان يوم رفعت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها لأن زوجها الكريم طاهرٌ ؛ وأباها نجسٌ ما دام على شِركه
بقي الكرسي وفياً لصاحبه ونال الشرف الكبير فكان بحق أول كرسيٍّ كريمٍ ولم يكن كبقية الكراسي التي لا تبالي بمن قعد عليها <
اسال الله ان يتقبل شهيدنا الغالى فى عباده الصالحين كما نساله سبحانه ان يثببت اقدامنا واخواننا على الحق حتى نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين ولا فاتنين ولا مفتونين ولا للامانة مضيعين